تحليل قصيدة "وذات دَلٍّ كأن البدر صورتها" لبشار بن برد
مقدمة:
تُعتبر قصيدة "وذات دَلٍّ كأن البدر صورتها" واحدة من أبرز قصائد الشاعر العباسي بشار بن برد، الذي يُعرف بشغفه بالعاطفة والجمال. في هذه القصيدة، يعبر الشاعر عن مشاعر الحب والشوق بطريقة غنية بالصور الشعرية والبلاغة.
تحليل الأبيات
1. الافتتاحية: جمال الحبيبة
وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها
في البيت الأول، يصف الشاعر حبيبته بأنها "ذات دَلٍّ كأن البدر صورتها". هنا، يجسد جمالها من خلال مقارنة شكلها بالبدر، مما يُبرز النقاء والجمال الذي يتمتع به. تُعبر هذه الصورة عن الإعجاب العميق الذي يشعر به الشاعر تجاه محبوبته.
2. المشاعر المتضاربة
باتت تغني عميد القلب سكرانا
شبه الشاعر غناء محبوبته "عَميدَ القلبِ سكرانا". هذا التعبير يحمل دلالات مزدوجة، حيث يُظهر تأثيرها العميق على مشاعره، وكأن الحب قد أوقعه في حالة من السُكر العاطفي. يُعبر هذا عن الصراع بين الرغبة في السيطرة على المشاعر والانغماس فيها.
3. العيون القاتلة
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ
قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا
في البيت الثالث، يشير الشاعر إلى "العيون التي في طرفها حورٌ"، ويعبر عن تأثير هذه العيون عليه. هنا، تُعتبر العيون سلاحًا قاتلًا، حيث تقتل دون رحمة، مما يضيف بعدًا دراميًا إلى التجربة العاطفية.
4. الحب والأمل
فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي
فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ إِحسانا
ات التالية، يتوجه الشاعر إلى محبوبته قائلاً: "فقلت أحسنتِ يا سؤلي ويا أملي". يُظهر هذا البيت كيف أن الشاعر يرى فيها كل ما يتمناه، فهي الأمل والسعادة في حياته. هذه الأبعاد تعكس عمق ارتباطه بها.
5. العشق والحنين:
يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ
وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا
قالَت فَهَلّا فَدَتكَ النَفسُ أَحسَنَ مِن
هَذا لِمَن كانَ صَبَّ القَلبِ حَيرانا
يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ
وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
فَقُلتُ أَحسَنتِ أَنتِ الشَمسُ طالِعَةٌ
أَضرَمتِ في القَلبِ وَالأَحشاءِ نيرانا
فَأَسمِعينِيَ صَوتاً مُطرِباً هَزَجاً
يَزيدُ صَبّاً مُحِبّاً فيكِ أَشجانا
تتوالى الأبيات لتتحدث عن مشاعر الشوق والعشق، حيث يعبّر الشاعر عن رغبته في سماع صوتها ويصفها بأنها "الشمسُ طالعَةٌ". هذا التشبيه يعكس كيف أن وجودها يضيء حياته ويمنحه السعادة.
6. الوصف الحسي:
يا لَيتَني كُنتُ تُفّاحاً مُفَلَّجَةً
أَو كُنتُ مِن قُضَبِ الرَيحانِ رَيحانا
حَتّى إِذا وَجَدَت ريحي فَأَعجَبَها
وَنَحنُ في خَلوَةٍ مُثِّلتُ إِنسانا
فَحَرَّكَت عودَها ثُمَّ اِنثَنَت طَرَباً
تَشدو بِهِ ثُمَّ لا تُخفيهِ كِتمانا
أَصبحتُ أَطوَعَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ
لأَكثَرِ الخَلقِ لي في الحُبِّ عِصيانا
فَقُلتُ أَطرَبتِنا يا زَينَ مِجلِسِنا
فَهاتِ إِنَّكِ بِالإِحسانِ أَولانا
لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ الحُبَّ يَقتُلُني
أَعدَدتُ لي قَبلَ أَن أَلقاكِ أَكفانا
فَغَنَّتِ الشَربَ صَوتاً مُؤنِقاً رَمَلاً
يُذكي السُرورَ وَيُبكي العَينَ أَلوانا
يستخدم الشاعر وصفًا حسيًا قويًا عندما يتحدث عن رغباته، حيث يتمنى أن يكون "تفاحًا مفَلَّجَةً" أو "ريحانًا". هذه الأوصاف تُظهر مدى شغفه، حيث يعبر عن رغبته في أن يكون شيئًا يحظى برغبة محبوبته.
7. الأسلوب البلاغي
تظهر في القصيدة استخدامات بلاغية متعددة، مثل الاستعارة والتشبيه. هذه الأساليب تُعزز الأحاسيس المعبرة، وتُساعد القارئ على الشعور بالعمق العاطفي الذي يعيشه الشاعر.
8. الفراق والألم
يُشير الشاعر إلى الألم الناتج عن الحب. يُظهر كيف أن الحب قد يكون مُؤلمًا، ويفسر الصراع الذي يعيش فيه بين الرغبة والألم.
خاتمة:
قصيدة "وذات دَلٍّ كأن البدر صورتها" تُعتبر تعبيرًا عميقًا عن مشاعر الحب والشوق، حيث يستخدم بشار بن برد أسلوبًا شعريًا غنيًا بالصور البلاغية. تعكس الأبيات تجربة إنسانية عميقة، تجمع بين الجمال والألم، مما يجعلها واحدة من أبرز قصائد الأدب العربي. من خلال هذه القصيدة، يُظهر الشاعر كيف يمكن للمشاعر أن تكون قوية لدرجة تجعل الحياة مليئة بالتعقيدات والعواطف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق