قصة أبو نواس وحبيبته "جنان": بين الغزل والعبث
المقدمة:
أبو نواس، الشاعر العباسي الشهير، يُعد أحد أبرز شعراء الغزل والخمريات في الأدب العربي. عرف بنوع الشعر الطريف، والساخر، وكان ايضا يكتب الغزل الرقيق معبرا عن الحب . ومن النساء اللاتي ارتبط اسمهن به، تأتي "جنان" من اشهر حبيبته ، التي ذكرها في اشعاره كثير والتي اثارت جدل بين الادباء والمؤرخين.
أبو نواس: الشاعر الذي هزّ المجتمع العباسي:
وُلد أبو نواس (الحسن بن هانئ الحكمي) في الأهواز عام **762م**، ونشأ في البصرة، حيث تتلمذ على يد أشهر العلماء والشعراء في ذلك العصر. عُرف بمجونه وتمرده على التقاليد، فكان شعره يعكس حياة اللهو والمجون التي عاشها في قصور الخلفاء والأمراء، خاصة في عهد **هارون الرشيد** وابنه **الأمين**.
لكن وراء هذه الصورة الماجنة، كان أبو نواس شاعرًا عميقًا، يجيد الوصف، ويُبدع في التعبير عن المشاعر الإنسانية، سواء في الغزل أو الخمر أو حتى الزهد (في أواخر حياته).
من هي جنان؟
"جنان" هي واحدة من الجواري أو الحبيبات اللاتي عشقهن أبو نواس، وذكرها في عدد من قصائده. اختلف المؤرخون في تحديد هويتها الحقيقية، فالبعض يقول إنها جارية كانت تُباع في سوق النخاسة، بينما يرى آخرون أنها رمز للجمال والغرام الذي طالما سعى إليه أبو نواس في حياته.
جنان في شعر أبو نواس
وصف أبو نواس "جنان" في شعره بصفات تدل على جمالها الأخاذ وفتنتها التي أسرت قلبه. من أشهر ما قاله فيها:
وَجِنَانٌ لَوْ رَأَتْهَا قَاتِلِي
لَأَضَاءَتْ بَيْنَ أَشْبَالِ الأُسُودِ
فَتَنَاسَى وَهْوَ فِي حُبِّي قَتِيلٌ
مَا يَرَاهُ مِنَ الحُسْنِ المَجِيدِ
في الابيات هذه ، صور أبو نواس جمال حببته "جنان" بأن جمالها يخطف الأبصار وجعل حتى أعداءه ينسون عداوتهم أمام بهائها.
كما يذكرها في موضع آخر قائلًا:
جِنَانٌ أَهْدَتِ القَلْبَ السَّلِيمَ
إِلَى حُبِّ المَلامِ وَالخُطُوبِ
حيث يُشير إلى أنها جعلت قلبه يتعلق بها رغم ما في هذا الحب من لوم ومشكلات.
هل كانت جنان حقيقية أم رمزًا؟
رغم ذلك هناك جدل كبير عن وجود "جنان"، بعض الباحثين يرون أنها شخصية كانت حقيقية، ربما كانت مغنيه أو جاريه ، بينما يرى البعض أنها كانت مجرد رمز للجمال واللذة التي طالما يتغني بها أبو نواس في قصائده.
في العصر العباسي، كان الشعراء يختلقون أسماء لحبيباتهم لإضفاء جو من الغموض والفتنة على قصائدهم، تمامًا كما فعل جميل وبثينة وقيس وليلى. لذلك، من المحتمل أن "جنان" كانت شخصية خيالية أو اسمًا مستعارًا لإحدى معشوقاته الحقيقيات.
أبو نواس بين العشق والمجون
عرف أبو نواس بحياة االمجون واللهو، وكانت له علاقاته كثيره بالنساء، لكنه كان في قصائده عن وحبه "جنان" يظهر كأنه العاشق الولهان، لا الماجن السكير . وهذا التناقض يعكس شخصيته المعقدة، التي تجمع بين العبث والرومانسية.
في بعض الأحيان، يبدو انه كان يحب جنان حبا حقيقيا ، بينما في اشعار أخرى، يبدو وكأنه يستخدم اسمها كذريعة لوصف اللذة والشهوة.
فما هي حكايه ابونواس والحب من اول نظره كان شاعرا تميزا في الشعر حتي ان ابوالعتايه كان يطلب منه ان لا يقول الشعر
لتفوقه .كان يعرف كما ذكرنا بالهو والمجون فأراد اهله ان يزوجه وظلو يلحو عليه حتي تزوج جاريه وكانت جميله
الزواج من الجارية: الصدمة العائلية:
كان أبو نواس ينتمي إلى أسرة محافظة، وكان والده هانئ الحكمي من الجنود الذين خدموا في جيش الدولة العباسية. عندما قرر أبو نواس الزواج من جارية اشتراها، ثارت ثائرة أهله، خاصة أن الزواج من الإماء في ذلك الوقت كان يُنظر إليه بازدراء من قبل بعض العائلات التي تفتخر بأصولها العربية.
قصة أبو نواس وزواجه من الجارية: لماذا تركها؟
عُرف أبو نواس بحياته المليئة باللهو والمجون، لكنه أيضًا مر بتجارب زواج فاشلة، منها زواجه من جارية اشتراها من أهل بيته. هذه القصة تكشف جانبًا آخر من شخصيته، بعيدًا عن الصورة النمطية للشاعر السكير العاشق، حيث تظهر تأثير العادات الاجتماعية والأسرية على حياته.
العرف الاجتماعي:
كانت القبائل العربية تعتبر الزواج من الجواري دونًا للعائلة، خاصة إذا كان الرجل من أسرة معروفة.
الخوف من السمعة:
أبو نواس كان شاعرًا مشهورًا، وأهله خشوا أن يُوصم بأنه "زوج جارية"، مما يؤثر على مكانته.
الاختلاف الطبقي:
حتى لو كانت الجارية جميلة وذكية، فإن النظرة الاجتماعية في العصر العباسي كانت تقلل من شأن زواج الحر من أمة.
لماذا تركها أبو نواس في النهاية؟ رغم حبه لهذه الجارية – التي لم يُسجل اسمها بوضوح في التاريخ – إلا أنه اضطر لتركها بسبب:
ضغوط العائلة لم يستطع أبو نواس تحمل هجوم أهله عليه، خاصة أنهم هددوه بالقطيعة إذا استمر في هذا الزواج.
الخلافات الداخلية بعض الروايات تذكر أن الجارية نفسها لم تكن سعيدة في هذا الزواج، ربما بسبب نظرة المجتمع، أو بسبب حياة أبو نواس المليئة بالتقلب بين الخمر واللهو. طبيعة أبو نواس العاشقة
أبو نواس لم يكن رجل زواج تقليدي، فقد كان دائم الترحال بين بغداد والبصرة، منشغلًا بالشعر والخمر، مما جعل استقراره صعبًا. فبعد فترة، ربما شعر بالملل أو وجد أن الزواج يقيد حريته.
كيف انعكس هذا الزواج الفاشل على شعره؟
لم يذكر أبو نواس هذه الزوجة الجارية كثيرًا في شعره، على عكس حبيبته **"جنان"**، مما قد يدل على أن العلاقة لم تكن عميقة، أو أنه فضّل نسيانها بسبب الإحراج الاجتماعي. لكن بعض المؤرخين يرون أن تجربة الزواج الفاشلة زادت من انغماسه في حياة المجون، حيث وجد فيها مهربًا من واقع لم يستطع تغييره.
أبو نواس وأبو العتاهية:
هل كان حب أبو نواس "مجرد أداء"؟ وهل كان التنافس بينهما خلف تحوُّل أبو نواس للزهد؟ دعنا نتعمق معاً!
أبو نواس وأبو العتاهية: صراع الشعر والزهد
أبو العتاهية (شاعر الزهد الأول في العصر العباسي) كان يُنظر إليه كـ"مُرشد أخلاقي"، بينما أبو نواس كان "رمز المجون".
بعض النقاد يرون أن تحوُّل أبو نواس لـشعر الزهد في أواخر حياته كان **استجابة لضغوط البلاط العباسي (خاصة في عهد المأمون)، أو حتى منافسةً لأبي العتاهية الذي طغى شعره الأخلاقي على الساحة.
لكن آخرين يعتبرون أن الزهد كان توبة صادقة من أبو نواس بعد حياة اللهو، خاصة في قصيدته الشهيرة:
رُبَّ عَيشٍ أَطولُهُ وَهوَ مَوتٌ
وَخُروجٍ مِنَ الدُنيا هُوَ الحَياةُ
أبيات "صاحِبَتي القَرْقَرْ قومي ارحلي": هل هي لأبي نواس؟
هذه الأبيات ليست لأبي نواس، بل هي لأبي العتاهية نفسه! وهي جزء من قصيدة زهدية يخاطب فيها نفسه (أو شهواته) كأنها "صاحبة" يأمرها بالرحيل:
صَاحِبَتي القَرْقَرْ قُومِي اِرْحَلِي
تَنَحَّي صَاغِرَةً وَاذْهَبِي
فَالزَمَانُ إِذَا طَلَبْتَهُ
مُسْرِعٌ بِالذَّنْبِ وَالخَطَرِ
تفسير الأبيات:
- "القَرْقَرْ": كلمة تُطلق على المرأة الثرثارة أو المُتذمِّرة، وهنا يرمز بها لـ**الشهوات الدنيوية**.
- يأمرها بالرحيل كناية عن **التخلي عن الملذات**، لأن الوقت يمر سريعاً بالذنوب.
- هذه القصيدة تُظهر **صراع أبو العتاهية الداخلي** بين الدنيا والآخرة، وهو ما جعلها تُنسَب خطأ لأبي نواس!
هل كان حب أبو نواس "مزيفاً"؟
- الرأي الأول (المتشكك):
يقولون أن حبه لـ"جنان" وغيرها كان أداءً شعرياً لجذب الانتباه، خاصة أن المجتمع العباسي كان يعشق قصص الغرام.
- الرأي الثاني (المنصف):
حتى لو بالغ في وصف الحب، فهذا لا ينفي وجود **مشاعر حقيقية**، خاصة في قصائده التي تحتوي على لحظات وجدانية صادقة، مثل:
وَإِذَا مَا سَكِرتُ فَإِنَّمَا
أُرِيدُ أَنْ أُنَسَّى هَجْرَ جِنَانِ
الخلاصة: التنافس أم التوبة؟
- التنافس الأدبي بين أبو نواس وأبي العتاهية كان حقيقياً، لكنه ليس السبب الوحيد لزهد أبي نواس.
- تحوُّله للزهد قد يكون مزيجاً من:
- خوف من الموت** (كما في قصيدته: *"يا من يُعَزِّيهِ عنّي مَوتِي").
- ضغوط سياسية** (المأمون شجّع التيار الزهدي).
- منافسة أدبية** (لكنها لم تكن العامل الرئيسي).
لماذا قد يُنشد أبو نواس بعد الطلاق؟
- التبرير الاجتماعي: ربما أراد أن يشرح قراره بالطلاق، خاصة بعد ضغوط أهله.
- السخرية من نفسه: كما فعل في قصائد أخرى، حيث كان يضحك على أخطائه (مثل:
"وَإِنِّي لَأَسْقِي الخَمْرَ حَتَّى تَرَانِي... كَأَنِّي بِأَذْنَارِ القُفُولِ نَزِيلُ").
- الندم أو التحرر: ربما عبَّر عن مشاعره المتناقضة بين الندم على فشل الزواج والارتياح لاستعادة حريته.
كيف يمكن تخيُّل هذه القصيدة؟
بناءً على أسلوبه، قد تكون أبياته مزيجاً من السخرية والمرارة، مثل:
قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أن حبه جنه
فَإِذَا هو أَشْقَاني وكأني كنت أعمي
فَارْحَلِي بِسَلامٍ يَا حبيبتي
وَدَعِينِي وَشَأْنِي اعيش الحياه وحدي
(هذا مثال افتراضي من تأليفي بناءً على نمط أبي نواس ههه)
هل هناك نصوص تاريخية تُشير إلى هذا الحدث؟
- المؤرخون مثل الجاحظ وابن خلكان ذكروا زواج أبي نواس من الجارية ورفض أهله، لكنهم لم يذكروا قصيدةً محددةً عن الطلاق.
- بعض الكتب المتأخرة (مثل "الأغاني" للأصفهاني) تروي حوادث مشابهة لشعراء آخرين، وقد تختلط بأبي نواس.
لماذا لم يصلنا شعرٌ عن هذه الواقعة؟
- الرقابة الاجتماعية: ربما تجنَّب أبو نواس نشرها لكونها تكرِّس فشله الشخصي.
- ضياع النصوص**: كثير من شعر العصر العباسي فُقد، خاصة ما كان شخصياً أو غير "مُجدٍ" في البلاط.
- التركيز على المجون**: الرواة اهتموا بأشهر قصائده (الخمر، الغزل)، وتجاهلوا الجانب العائلي.
كيف نفسِّر تناقض أبو نواس بين الزواج والتحرر؟
في إحدى قصائده (الحقيقية) يقول:
أَتَانِي هَوَاهَا وَالعَذَلُ العَذَلُ
فَلَمَّا انْقَضَتْ مَلَّتْ فَمَلُّوهَا
وهذا قد ينطبق على زواجه: اندفاعٌ وراء العاطفة، ثم مللٌ سريع!
الخلاصة:
لو كان أبو نواس أنشد بعد طلاقه، فمن المرجح أن تكون قصيدته **ساخرةً أو حزينةً بلمسته الخاصة**، لكن للأسف لا نجد نصاً مؤكداً. مع ذلك، يمكنك أن تطلب مني:
- تأليف أبياتافتراضية على لسان أبي نواس عن الواقعة!
- تحليل قصائد أخرى له عن النساء والفشل العاطفي.
- مقارنته بشعراء عاشوا تناقضات مشابهة (مثل بشار بن برد).
أخبرني ما يُثير فضولك أكثرعزيزي القارئ ؟
بشار أبو نواس: معارك الحب الفاشلة!
| بشار بن برد| أبو نواس
--------------------------------
بشار وقع في حب عبدة (جارية صديقه) فرفضته، فهجاها بقسوة! ابو نواس وقع في حب جنان (التي قد تكون خيالية) فغنى لها!
قال لها:
"لَئِنْ صَدَفْتِ لَتَصْدُفَنَّ عَنْ أَعْشَى... أعمى القلب أم عيني؟!" قال:
"وَإِنِّي لَأَسْقِي الخَمْرَ حَتَّى تَرَى جِنَانِي... وَهِيَ تَسْقِي الهَوَى!"
انتهى به المطاف مقتولًا بسبب هجائه اللاذع! انتهى به المطاف زاهدًا (بعد حياة مجون)!
لماذا بشار أكثر "تراجيدية" من أبي نواس؟
- بشار: كان مُعاقًا (أعمى) فحوّل إحباطه إلى هجاءٍ شرس، حتى أن الخليفة المهدي أمر بقتله!
- أبو نواس: كان سليم الجسد، فانسجم مع المجتمع رغم تمرده، بل إن الخلفاء (كهارون الرشيد) ضحكوا على شعره الماجن!
لحظة مضحكة:
لو تقابل الاثنان في الجنة!
بشار "يا أبا نواس، أنت سرقت أسلوبي في الهجاء!"
أبو نواس: "بل أنت سرقتَ قلبي بذلك الوجه العابس!"
بشار: "لكني هجوتُ عبدة فقتلتني، وأنت هجوتَ الخمر ف... تُبتَ؟!"
أبو نواس: "نعم، لأن الخمرة لم تهدِ لي مثلما هدى هجاؤك لك!"
(حوار خيالي بالطبع!)
الخاتمة:
بين العشق والواقع قصة زواج أبو نواس من الجارية تُظهر الصراع بين رغبات الفرد وتوقعات المجتمع. رغم كل تمرده،
لم يستطع أبو نواس تحطيم كل التقاليد، فاستسلم لضغوط أهله وترك زوجته، ليعود إلى حياة التحرر التي عُرف بها.
هذه الحادثة تثبت أن أبو نواس – رغم شهرته بالمجون – كان إنسانًا يتأثر بالعادات الاجتماعية، حتى لو حاول إخفاء ذلك خلف قناع السخرية واللهو.
وتبقى "جنان" واحدة من الألغاز في حياة أبو نواس الشعرية. سواء كانت حقيقية أم خيالية، فقد تركت أثرًا واضحًا في شعره،
حيث مزج بين الغزل العفيف والمجون الفاحش.
قصته مع "جنان" تعكس التناقض في حياة أبو نواس نفسه، الذي عاش بين قصور الخلفاء وأزقة الحانات، بين الزهد واللهو، بين الحب العذري والغرام الماجن.
وتبقى كلماته فيها خالدة، شاهدة على براعته الشعرية وقدرته على تحويل العشق إلى فن، والمجون إلى شعر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق