ابا دهبل وعاتكة – قصة حب تحدّت البلاط الأموي:
في زمنٍ كان فيه الشعر لغة القلوب، والحب مغامرة لا يجرؤ عليها سوى الأحرار، وُلدت قصة عشق فريدة جمعت بين شاعر من عامة الناس وأميرة من بيت الخلافة. حكايه ابا دهبل وقصته، كان شاب جميل الصورة ، شعرة طويل، هو من هذيل قبيله معروفة بشعرها وفصحتها ، عاتكة بنت الامير بنت معاوية بن أبي سفيان، الجميله الفنانه .
لقاء الصدفة:
كان يوما حره شديد دخلت عاتكة مكة على ظهر راحلتها، أمرت جواريها أن أن يرفعن الستائر استنشق بعض الهواء. لم تكن تدري أن عينا شاعرة تنتظر تلك اللحظة. أخذ ينظر لها ابا دهبل، فسحره جمالها و هيبتها ، ورففت روحه بحب فجأة كضوء برق في ليل مقفر.
وعندما التقيت عيناهما ، أمرت عاتكة الجواري بإسدال الستائر، لكن الشعر تسلل من فؤاده قبل أن يغلق الحجاب:
إني دعاني الحين فاقتادني
حتى رأيت الظبي بالباب
يا حسنه إذا سبني مدبرا
مستترًا عني بجلباب
سبحان من وقفها حسرةً
صبّت على القلب بأوصاب
يذود عنها إن تطلبها
أبٌ لها ليس بوهاب
أحلها قصرًا منيغ الذرى
يحمي بأبوابٍ وحجاب
الحب ينمو خلف الأستار
أعجب شعر ابا دهبل عاتكة ، فأرسلت هديه له . ولم تمر أيام حتى بدأ التراسل بين الاثنين، ونمي الحب في قلوبهم، واشتد الشوق. وعندما علم الأمير بأمر هذه الرسائل، أطبق الحراسة المشددة على ابنته، وابتعدت عنه... لكن الحب لم يغادر القلوب بسهولة .
مرض أبا دهبل من طول الانتظار، وأنشد يقول:
طال ليلي وبتّ كالمحزون
ومللتُ الثواء في جيرون
وأطلقتُ المقام بالشام حتى
ظنّ أهلي مرجمات الظنون
الشعر طريق إلى السجن
انتشرت أبياته بين الناس حتى وصلت مسامع معاوية. وفي خطبة الجمعة، دخل أبا دهبل المسجد، فأمر الأمير باحتجازه. وعندما أراد
الخروج، ناداه معاوية قائلاً:
"ما رأيت في قريش مثلك، وتقول..."
ليت شعري أمن هوى طار نومي
أم براني الباري قصير الجفون؟
عاتبه الأمير، لكنه أعجب بفصاحته. غضبه الحقيقي لم يكن من الحب، بل من بيت قال فيه:
ثم خاصرتها في القبة الخضراء
تمشي على مرمرٍ مسنون
قال أبا دهبل هو يدافع عن نفسه: "الكلمات خرجت غصبا عني يا أمير المؤمنين."
القلوب تعاند السياسة
خاف معاوية من انتشار الحكاية، فأمر بحذر الرسائل،
لكن عاتكة ظلت تبعث له الهدايا، وظل هو يرسل الشعر:
رددتِ فؤادًا قد تولى الهوى
وسكنتِ عينًا لا تمل ولا ترقى
ولكنّ خلعتِ القلب بالوعد والمنى
ولم أرَ يومًا منكِ جودًا ولا صدقًا
أتنسين أيامي بربعكِ مدنفا
صريعًا بأرض الشام سقمًا ملقى؟
عاتكة كانت تبكي وهي تقرأ كلماته، لكن الحب وحده لا يقنع البلاط الأموي.
النهاية الحكيمة
دخل يزيد على أبيه وقال: "أقتل أبا دهبل."
لكن معاوية أجابه: "لو قُتل، لصدق الناس حبّه وصار حديثًا لا يُنسى."
حين التقى معاوية بأبي دهبل في موسم الحج، قال له:
"يزيد غاضبٌ من رسائلك."
فأجابه أبا دهبل معتذرًا. سأل الأمير: "ألم تتزوج بعد؟"
قال: "لا."
"ألا تحب من بنات عمك؟"
قال: "فلانة."
فقال معاوية: "قد زوجتك إياها، وهذه هدية بألف دينار."
خاتمة:
تصرف معاوية بحكمة. لم يُطفئ نار الحب، بل حوّل مسارها. وها هو أبا دهبل، يعيش طويلًا، شاعرًا لا يُنسى، كتب عن امرأة سكنت قلبه، وكانت يومًا أمنيةً بين الستائر... ثم أصبحت قدرًا.
No comments:
Post a Comment